قصة واقعية بالعامية

أريحا عام 1967 ، على وقع الضرب والقتل ، العائلات تتبنى أبناء بعضها ليختبئ الناجي تحت كتفٍ قويّ … ولا يقوى على الذكرى إلّا عيون تخطفها دموع الليل…

عائلة أبو فراس هاربةً من أريحا مدينة الصمود والعزّ :

قمر ، إبنة السبع سنوات): ياما ياما وين رايحين وين هالعالم عم توقع؟)

أم فراس : (ركُضي يامّا ركضي يالله أوعى توقفي أوعى تطلعي لوراكي)

قمر : (وينن أهلي ياما وينن أخواتي وين أبويا؟)

أم فراس : (ياما ركضي (صوت ضرب)… العالم بيوقعو بالنهر إنتبهي يا عيوني)

قمر: (هياه ابويا ورانا ياما (تضحك)، تعال يا بويا حملني مش قادرة اقطع الميات

صريخ ونحيب وفراس يصرخ لأخوته الصغار…

فراس: يا سعد أمسك يد أُختك قمر يالله ركضو …..” الضرب شغّال “

أم فراس تقع على الأرض يركض أبو فراس يحملها وهو حامل صرة كبيرة معه فرمى كل ما لديه من امتعة وما همّه غير أم فراس ومولودها الآتي!

رأى بين يدي إبنه سعد إبنته قمر المعروفة بعنادها ويداها القويّتان…

أبو فراس: قمر خدي يا بنتي هالمفتاح من تحت الكوفية لاني خايف يوقع من راسي ضبّيه منيح أنا عارفك إنت أقوى من إخوتك الصبيان

يا قمر هيدا أمانة يا بيي

قطعو النهر المخيف الذي كان رمز الحب يوم من الأيام فهل عرفت ضفافه صبيحة ذاك اليوم أن ما تحتبسه من مياه عذبة ستختلط بأجسادٍ تمر خوفاً تاركةً وراءها أحلاماً وغيرها، أبت أن تترك أحلامها فوقعت تعباً ووقعت خوفاً ووقعت … في المياه لأنها لا تدري أين تذهب؟

وصلنا مدينة القدس

رجل يستقبل الناس ، وإذا بأبو فراس يطلب منه…

أبو فراس: ربنا يعافيك يا ابن العم عندي هاالولاد ومرتي حامل وين بدنا ننام؟

الرجل: الحمدلله عالسلامة الحمدلله عالسلامة ، تفضّلوا . اليوم ما إلنا غير القدس بإذن الله، وانشالله هالكم يوم يحلّوها وترجعو عبلادكم معزّزين

الأولاد يبكون والكل يخبر ما رأى من أصدقاء وأهل قد توفوا ….

أخذهم الرجل وهو يقول: محسوبك أبو مازن وشو ما بتعوز…

أبو فراس: أخوك أبو فراس الله يعزّك.

ابو مازن: اليوم رح تناموا بالقدس داخل المسجد وبكرة نشالله بتكملو وجهتكن محل ما بتشوفوه منا سب لو عندكن قرايب واذا ما عندك نحنا أهلك..

ابو فراس تائه حائر لا يعرف ما يقول: الله يطوّل بعمركن والله فضّلتو علينا ونشالله من الفجر رح نتوجّه صوب الشمال عم بقولوا القصة طويلة

دخلوا المدينة على باب المسجد الأقصى هناك الكثير من القادمين والناس تفتش عن من تبقّى لها من العائلة …

تكمل قمر وتقول : لم أعرف أين سننام وكيف سنرتاح، أهم ما كان عندي هو المفتاح. نعم ! قال والدي إنه أمانة . وكيف سنعود للبيت ونفتح؟

أحسستُ بالمسؤولية لأن إخوتي وأمي ومولودها القادم حتى أنا وأبي لن نحلم من جديد أحلاماً سعيدة إلا في بيتنا ومفتاح الأحلام معي!

ناموا وصوت الناس في النهر يصرخ من هو البطل في تلك الليلة الشعواء

هدوء المسجد وقبّته لم تلقى وقتا لتأتي وتزور المكان فالأولاد الخائفون والنساء المفجوعات هزّوا اعمدة القدس كلّها كما هزّ من قبلها سيّدنا عيسى المكان عند دخوله وقلب الموائد على رؤوس الباعة الجشعين… اليوم وبعد اربع وثلاثين عاماً تقص قمر الحكاية وتقول هربت في الصباح التالي بعد ان دخلوا علينا في المسجد اناس ملتّمون ووالدي صرخ باعلى صوته يا ام فراس الاولاد لا تلتفتي خلفك!

ومنذ ذاك اليوم لم أرى والدي فانا خفت جدا وتمسّكت بفستان والدتي وهربت الى الخارج وكنا كثيرين وبعد ان صعدت الى السيارة التي كانت تنتظرنا ما عرفت من هم هؤلاء المسلّحين اللذين اتوا وماذا أرادوا لكن والدي ما كان يهودياً ؟

فتشت عن والدتي فعرفت إني أمسكت فستان إمراة أخرى!

– أمّي أميّ أين أنت ؟ تعالي ياما المفتاح معي خذيه وخدي اخوتي الى البيت سألحق بك يوماً ما وين البيت يا عم يا خالة ….

وبعد دقائق أو ساعات لا اعرف صرخت إمراة بي وقالت

– قمر(شو عم تعملي يا بنت.. الله يساعد امك…. رح ترجعي ما تخافي ما تبكي)

كانت عمّتي في السيّارة معنا… فأخذتنا بعد ايام إلى بيت في منطقة بعيدة عن القدس وهي في الأردن تُدعى الزرقا بقينا هناك حتى كبرنا وكَبِرت امّي وماتت… فمات الوطن معها.

وأنا اليوم أسكن في بلد عربي مجاور أحمل مفتاح بيتنا الوصية الوحيدة من والدي الذي اشتقت إليه، أما إخوتي فهم لا يتذكّرون من بيتنا سوى صرخات النساء في ذاك اليوم على النهر عندما هربنا! لن أنسى ذلك الشيخ الذي استضافنا في المسجد بالقدس وفي المقابل لن انسى هؤلاء الذين اختطفوا ابي أسألهم اليوم لو أراد التجنّد معهم ما كان المانع؟ هو لم يؤمن بقضيّة التجّار الذين باعوا في المسجد قبل قرون عندما كان هيكلاً وصار مسجداً وكلهّم دور عبادة

كانت قضيّته في مفتاح بيتنا!! عندما خسرنا البيت أنا وعائلتي خسرنا القضية …

اليوم المفتاح ما زال معي فهو الدليل الوحيد على خسارتنا وحسرتنا.

لو عاد المسجد هيكلا للسيد للمسيح أو لليهود او للمسلمين !! من سيعيد لنا بيتنا؟

واحسرتاه على شعوبنا وإخوتنا وعائلاتنا فالإيمان صار كلاما أو تجارةً في الساحات

وبيت أبي لن يعود طالما نبيع ونشتري في القضية

يا شعبي استيقظ وقل كلمة محبة فالمحبة وحدها غلبت الشيطان،ألن تغلب الأعوان؟

قمر